(( مقبـرة ـ بائـع كعـك ، تدخـل امـرأة تـلبس ملاية سوداء، تحتها فستان أحمر، تضع على شعـرها وردة بيـضاء، تمـضغ علكة أثـناء المــشهد))
البائع : كعــك ـ كعـك تـازة.
الزوجة : كعـكة واحـدة، عـن روح زوجـي، وقليل من الناطف، كان يحب الكعك والناطــف.
البائع : ((يقـدم لها الكعــكة، ويضـع فوقها قليــلاً من الناطــف))
الزوجة : بكــم؟
البائع : ربع ليــرة.
الزوجة : هذه نصـف ليـرة، واقـرأ الفاتــحة على روح المرحوم.
البائع : لا بـدّ أنـك تحـبـيـن المــرحوم.
الزوجة : إنه زوجــي، أبو عـــيالي. ((تتــقدم نحو القــبر))
السلام عليك يا أبا أحمد، لقد أحضرت لك الكعك الذي تحب ((تضعه على القبر)) ومعه الناطف. إيه، لا تمدّ يدك، يسيل لعابك حين ترى الناطف، تحبّ كل ما هو حلو، كيف حالك يا أبا أحمد، أنت تجلس سعيداً في قبرك، وقد تركت التعب عليّ، الأولاد أتعبوني يا أخي. لكن لا تهتم، أختك أم أحمد، أخت رجال، المهم أن تبقى وحيداً، مستأنساً بوحدتك في الأسفل، وأنا في خدمتك، إيه، لقد استرحت وأرحت. منذ أن وضعوك بعـيداً في أعـماق الأرض، وصفّوا فوقك تلك الحجارة الثقيلة، وأهالوا عليك التراب، وأنا أشعـر بالراحة، لن تنظر إلى امرأة غيري، عين الرجل فارغة، ولا يشبعها إلاّ التـراب، وعينك يا حبيبي كانت أفرغ من كل عيون الرجال، لكن الحمد لله الذي جعل لكل شيء خاتمة سعيدة، وأنا الآن أشعر بالسعادة، لأنني تخلصت من الجحيم، حياتي معك يا حبيبي كانت جحيماً، لا ينقطع، من الخوف، والرعب، والهواجس، والكوابيس، أنْ تسرحَ خلف امرأة غيري، لقد كبلتك بالأولاد، لكن يبدو أن ذاك القيد كان من ورق، لكنّ رب العالمين، قيّدك الآن بقيد من تراب وحجارة، ومثل هذا القيد، لن تستطيع الخلاص منه حتى يوم الدين، لكن هناك، ستغرق ثانية في الحور العين، وتقول الحمد لله، الذي خلّصني من زوجتي، أم أحمد، من يرَ هذه الحــور، ينسَ أم أحمد، هؤلاء هنّ النساء الحقيقيات. ربّ العالمين، يحبكم أنتم الرجال، يحبكم في الدنيا والآخرة، أمّا نحن النساء، يا حسرة، إن نظرت إحدانا إلى جارها نظرة محبة، أخوية، وقالت له: صباح ا لخير، يا جار الرضا أنزلت عليها لعنة الأرض والسماء، إيه، أحياناً أقول، لمَ لمْ أُخْلَقُ رجلاً؟ لكن ثانية أقول: سبحان من خلق لنا الرجل، لنحمّل عليه همومنا ومشاكلنا، كيف حالك يا حبيبي، كيف حال الطعام عندك، طعامي لم يكن يعجبك، هذا حلو، وهذا حامض، وهذا مالح، كيف تجد طعم التراب الآن؟ لم تكن تسمح لأحد أن يلمس ثيابك، أو ينظف لك أُذُنَكَ، أمّا الآن، فيمكن أن أغرس هذا العود الطريّ، الطويل، في صدرك، ولا تتأوه. ((تغـرس عوداً من الآس في القبر)) اهدأْ يا حبيبي، ودعني أستمتع بعذابك الطويل، الـجمـيل، فطالما عذبتني، يا أبا أحمد.
((يقترب البائع من القبر))
البائع : كيف الوضع يا أختي؟
الزوجة : إنه يأكل.
البائع : مَنْ؟
الزوجة : الصغير.
البائع : ومــاذا يأكل؟
الزوجة : الكعـك، والناطف.
البائع : قد يعطش، سأجلب له إبريق الماء.
((يأتي البائع بإبريق ماء))
الزوجة : شكراً يا أخي. أنت تهتم بزوجي.
البائع : أنا أحب فعل الخيـر.
الزوجة : متـزوج؟
البائع : أربـع.
الزوجة : أربع نـساء؟!
البائع : أعـتـقـد ذلك ، يخيل لي أنهن نساء.
الزوجة : لا يوجـد محـل فارغ؟
البائع : لا، المكان كومبليه، محجوز بأكمله.
الزوجة : خيراً إن شاء الله، قلْ خيراً إن شاء الله.
البائع : لماذا؟ هل نفسك؟
الزوجة : نفــسي أن تعود لِبَسْطَتِكَ، وتدعني لأحزاني مع أبي أحمد، زوجي، وصديقي، وحبيـبي.
البائع : كنت أظـن أنّ بينـك وبيـنه خلاف.
الزوجة : كان، لكن الآن سـويّ، كتكوتي الصغير، دمه خفيف.
البائع : سنعود إلى البسـطة، الأوان لم يحن بعد.
((يعود إلى بسـطته)) ((الزوجة تدنـدن بأغنية))
((تدخل امرأة ثانية، ترتدي الزيّ ذاته، وتضع الوردة ذاتها، تتقدم من بائع الكعك))
المرأة : السلام عليـك يا أخـي.
البائع : السلام عليـك يا أـختي.
المرأة : عنـدك كعك تــازة ؟
البائع : كعـكي دائمــاً تازة.
المرأة : طـري؟
البائع : طــريّ جـداً.
المرأة : من أجـل أسـنان زوجي، أسنانه منخورة، تكسر لدى أقلّ نقرة.
البائع : نقــرة؟!
المرأة : أجل، ألم تـنقـر بالقدّوم ذات يوم؟
البائع : لقـد نقـرت، تحبيـن زوجـك؟
المرأة : جداً، ولهـذا أخــاف على أسنانه.
البائع : يوم غـريب، كم كعـكة تريديـن يا أخـتي.؟
المرأة : كعكتيـن، واحدة لي، والأخرى لزوجي أبو فادي، لا يستطيع أن يتناول الكعـك دونـي.
((يقدم لها البائع كعكتين. تتقدم نحو القبر، تشاهد الزوجة وهي على القبر، تخاطب المرأة القبر))
صباح الخيـر يا حبيـبي
الزوجة : حبيـبـك!!
المرأة : أجل حبيـبي.
الزوجة : صاحب هذا القبـر حبيـبك؟
المرأة : حبيـبي، وزوجـي، وأبـو أولادي.
الزوجة : وله أولاد أيــضاً؟!
المرأة : ولــمَ؟ هـل هـو ناقــص.
الزوجة : يا خـرابك يا أم أحــمد، وما يدعى زوجك يا أخـتي؟
المرأة : أبو فادي. على ســن ورمح.
الزوجة : الحمد لله. أمّـا زوجي، فـيدعى أبو أحمد.
المرأة : لا. زوجي هــو أبو فـادي.
الزوجة : أمّا زوجـي فهـو أبــو أحمد.
المرأة : وأيـن يرقـد زوجـك؟
الزوجة : ((تـشير إلى القــبر)) هنا.
المرأة : لكنّ زوجي يرقـد هنا.
الزوجة : في أيّ طــابق؟
المرأة : الرابـع.
الزوجة : أما زوجي فيــرقد في الطابق الثالـث. وما رقم شقـتـك؟.
المرأة : 16.
الزوجة : ورقم شقــتي 16 أيضاً.
المرأة : وما المشكـلة؟
الزوجة : لا توجد مشكـلة، أبو فادي في الطابق الرابع، وأبو أحمد في الطابق الثالث، ورقم الشقـتيـن واحد، في بناية واحدة.
المرأة : وما المشكـلة؟!
الزوجة : لا يوجـد مشكلة، يحدث أحياناً، التباس في الأزواج، أعني في الشقق، يأتي أبو أحمد في منتصف الليل، يدخل البناية، وإلى الشقة رقم 16، لكن عوض أن يدخل إلى الطابق الثالث، يصعد إلى الرابع، لا. هذا مستحيل.
المرأة : مستحيــل! ماذا؟
الزوجة : لا شيء يا أختي، إنها مجـرد هواجـس، تنتاب النساء الغلابة أمثالنا، هذا اللعين، زوجي أبو أحمد، لم يجعلني أرتاح. لا هو حيّ، ولا هو ميت. لكن لا تشمت بي يا أبا أحمد، سأقهرك.
المرأة : من تخاطبين؟
الزوجة : زوجي أبو أحمد.
المرأة : حسبـت أنك تخاطبيـن زوجي، أبا فادي، أنا أغار عليه، لأنه وفي، صادق، لم يحب امــرأة غـيـري.
الزوجة : أعــندك أولاد منه؟
المرأة : مَنْ.؟
الزوجة : زوجـك، أبو فادي.
المرأة : ســتة بعيـن الشيطان. وأنت؟
الزوجة : ستة بعين ذاك اللص الماكر، المخادع.
المرأة : خسارة. أكان زوجك يخدعك؟
الزوجة : أجل.
المرأة : هكـذا سكان الطابق الثالث، يخدعون زوجاتهم، أما سكان الطابق الرابع، إنهم فـوق، فهم أوفيـاء لزوجاتهم، وزوجي يسكن في الطابق الرابع،، إذن، هو زوج وفي.
الزوجة : كفى أيتها الحمقاء.
المرأة : حمقاء!!
الزوجة : أجل.
المرأة : أنا!!
الزوجة : أنا وأنـت، نحن الاثــنتـان. حمــقاوتان.
المرأة : لِمَ.؟
الزوجة : لأنّ أبا فادي، ذاته هـو أبو أحمد.
المرأة : يا للعــار.
الزوجة : وأبو أطفـال سـتة، خلّفهم، وهرب إلى الآخرة، ليكمل ملذّاته هناك، مع الحور العيـن.
المرأة : غير معــقول.
الزوجة : بل هو المعــقول.
المرأة : آه، قلبي كان يحدثـني، أنّ ذاك اللص كان يخونني، الآن تحققت ظنوني، هات الكعكة، خائن مثلك لا يستحـق سوى التراب طعاماً له.
((تأخذ المرأة الكعكة عن القبر، وتخرج))
الزوجة : هات الناطف والكعكة. خائن مثـلك لا يستحق سوى الحجارة طعاماً له. ((تأخذ الكعـكة والناطـف وتخـرج))
((يقترب البائع من القبـر))
البائع : صار المسكين وحيداً، بلا أمّ ترعاه، ولا زوجة تعطف عليه، لا بد أن نعتني به.
((يحمل البسطة على كتف، وباليد الأخرى يجر القبر من حبل ربط القبر به، لأن القبر موضوع على دواليب صغيرة متحركة، ينادي البائع، وهو يخرج من المسرح))
كعـك تــازة، قــرّب ودوق يا حـــباب.